Admin رئيس مجلس الإدارة


عدد المساهمات : 595
الموقع : ام الدنيا
العمل/الترفيه : كرة القدم
المزاج : التحليل والاكتشاف
بطاقة الشخصية القدرات: قوى
 | موضوع: بشرو ولاتنفروا الجمعة 15 أكتوبر - 14:13 | |
| لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بشيراً لأتباعه ، نذيراً لأعدائه ، بل كانت مهمة الرسل لا تعدو هذين الوصفين : { وما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } [ الأنعام : 48] ، [ الكهف : 56 ]
وقد أمر الله في كتابه بتبشير المؤمنين والصابرين والمحسنين والمخبتين .. في آيات كثيرة .
ونقصد بخلق ( التبشير ) : التخلق بالصفات التي تستدعي الاستئناس والارتياح والتحبب وبث الأمل في القلوب ، والبعد عن أساليب ( التنفير ) ودواعي الانقباض .. حتى في التخويف من الله والترهيب من النار .
وكان من أساليب تبشير رسول الله صلى الله علي وسلم أنه يختار الوقت المناسب والقدر المناسب لأداء الموعظة والعلم كي لا ينفر الصحابة ، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : " يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا " ( البخاري ) وعلق عليه ابن حجر بقوله : ( المراد تأليف من قرب إسلامه ، وترك التشديد عليه في الابتداء ، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدرج ؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حبب إلى من يدخل فيه ، وتلقاه بانبساط ، وكانت عاقبته غالباً الازدياد ... )
ومن حكمته صلى الله أنه استعمل أساليب التبشير في إيقاظ الهمم والتنشيط للطاعة ، ومن ذلك قوله : " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" ( صحيح سنن ابن ماجة) وصلى العشاء مرة بأصحابه ، وقبل أن ينصرفوا قال لهم : " على رسلكم ، أبشروا .
إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم " ( البخاري ) قال أبو موسى الأشعري : فرجعنا ففرحنا بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويحتاج الإنسان في حالات الاضطراب إلى التبشير بما يزيل عنه دواعي الاضطراب ، فبعد نزول الوحي على رسول صلى الله عليه وسلم ذكر لخديجة رضي الله عنها ما جرى له ، وأخبرها بخوفه على نفسه من هذه الظاهرة الجديدة ، فبشرته بأن له من سابقة الخير ما يستبعد معها مكافأة بمكروه ، فقالت : " كلا .
أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق .. " وكان هذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمته ليزيل عنها دواعي القلق على مستقبل هذا الدين : " بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض " .
( روا الإمام أحمد وصححه الألباني ) .
وحتى في حالات الضعف البشري لم يكن رسول الله ليعنف أصحابه بفظاظة وغلظة ، وهم الذين سمعوا بقدوم أبي عبيدة بجزية البحرين ، فاجتمعوا على صلاة الفجر ، وتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ، ففهم ماذا يريدون، قال : " فابشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا... " ، ( البخاري ) .
والمؤمن محتاج في حال البلاء إلى من يكشف همه ، ويبشره بما يسره ، إما بفرج عاجل ، أو بأجر آجل ، ولقد وجد رسول صلى الله عليه وسلم أم العلاء مريضة فقال لها : " أبشري يا أم العلاء ، فإن مرض المسلم يذهب خطاياه ، كما تذهب النار خبث الحديد " .
والمؤمن بشير في مواقف الأسى يسري عن الناس أحزانهم؛ بما يدخل البهجة إلى قلوبهم ، ويبعد الكآبة عنهم ، كتب زيد بن أرقم إلى أنس بن مالك زمن الحرة يعزيه فيمن قتل من ولده وقومه ، فقال : أبشرك ببشرى من الله عز وجل ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار ) .
ولقد بشر الله المبايعين على الجهاد بما ادخر لهم من الأجر إن وفوا بالبيعة : { ... فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ } [ التوبة : 111 ]
وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الموحدين بالجنة جزاء التزامهم بكلمة التوحيد قولاً واعتقاداً وعملاً ، رحمة من الله سبحانه : " أبشروا ، وبشروا من وراءكم ؛ أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً من قلبه ، دخل الجنة " وقال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبشراً المؤمنين الحذرين من صور الشرك كبيرها وصغيرها : " بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئ اً ، دخل الجنة" ( البخاري ) .
وفي توبة كعب بن مالك صورة عملية من صور التعاطف الاجتماعي والتهنئة بقول التوبة ، حيث ذهب إليه عدد من المبشرين ، فناداه أحدهم قبل أن يصل إليه : ( يا كعب بن مالك ! أبشر ، يقول كعب : فخررت ساجداً ، وعرفت أن قد جاء فرج ) وتلقاه الناس فوجاً يهنئونه بالتوبة ويقولون له : ( لتهنك توبة الله عليك ) ولما سلم على رسول الله قال صلى الله عليه وسلم، وهو يبرق وجهه من السرور : " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " .
ومن لطيف ما ورد في هذه القصة رواية نقلها صاحب كتاب فتح الباري الإمام ابن حجر رحمه الله ، تبين مدى حرص المجتمع الإسلامي على تبادل البشريات ، يقول كعب : ( فأنزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الأخير من الليل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة ، وكانت أم سلمة محسنة في شأني معتنية بأمري ، فقال : " يا أم سلمة !
تيب على كعب " قالت : أفلا أرسل إليه فأبشره ؟
قال : " إذاً يحطمكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة " فقد كانت أم سلمة حريصة على ألا تنتظر الصباح وألا تدخر البشرى لرجل مسلم .
وقد وعد الله الذين آمنوا وكانوا يتقون بأن : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخر .. } [ يونس : 64 ]
ومن البشرى العاجلة في الحياة الدنيا ، أن يلقى المسلم قبولاً حسناً من إخوانه ، وأن تشكره على إحسانه ، فذلك من التبشير ، وقد روى مسلم في باب ( إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره ) حديثاً جاء فيه : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه ؟
قال : " تلك عاجل بشرى المؤمن" .
وحاله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه التبشير ، كما في قوله : " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا " .
قال في فتح الباري : ( وأبشروا : أي بالثواب على العمل الدائم ، وإن قل ، والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل ، بأن العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره ، وأبهم المبشر به تعظيماً له وتفخيماً ) .
ومبنى هذا الخلق وأساسه أن يكون المسلم مصدراً للفأل الحسن والأمل الواسع ، والعاقبة الخيرة ، وألا يرى أخوه منه ما يكره .
أفبعد كل هذه الإشارات يقبل أحدنا لنفسه أن يكون مصدر شؤم ، ومظنة تخذيل ، وإحباط أو تنفير، أو قتل للقدرات ؟
أم نشيع البشرى ، وننشر التفاؤل ، ونحيي النفوس ونحرض على الخير ، ونعين على المعروف ، ونستنهض الهمم إلى أن يكون كل منا بشيراً لإخوانه يحيي فيهم الأمل ويدفعهم إلى مزيد من العمل ؟ . | |
|